“أطياف هنري ويلكم”
من بين أفواج المهاجرين خرج “وِلْكَم” بشاربه الضخم كهواجسه ونظراته الثاقبة وأذنيه الكبيرتين كمصفقة نحاسية. يرتدي عباءة سوداء مهترئة تتخلّلها العديد من الخرق البالية التي كان يعتقد بأنها تحميه من البرد! استطلع المنطقة حوله جيداً متوقّعاً الكثير من الاحتمالات لكنه لم يَرَ بشراً أو حيواناً، ثم أحسَّ بالجوع متجاوزاً فرحة الوصول بعد رحلة الموت المحققة. بلغ به الأمر إلى إرسال بعض الشباب اليافعين بعيداً نحو أماكن متفرّقة للبحث عن الماء أو الفاكهة، راضخاً لرغبة خفيّة في أن يكون سيّداً عليهم. وبينما كان الجميع مشدوهين بمشهد رائع لبداية الشروق أشعَرَهم براحة نفسية عميقة، أحاط “وِلْكَم” مكاناً مربّعاً من الأرض المجاورة للشاطئ وغرس في أطرافه المتباعدة أعواداً خشبية جافة. تطلَّب منه ذلك جهداً كبيراً ومقدراً. وقُبَيل أن يستوعب من معه حقيقة ما قام به، وفي الوقت الذي يتدافع فيه مزيدٌ من المهاجرين خروجاً من جوف السفينة التي تحمل حواليّ أربعمائة مهاجر، تسلّق “وِلْكَم” درجات السلّم المزدحم صعوداً مندفعاً إلى أعلى سطح السفينة، مُزيحاً النساء والأطفال من طريقه بقسوة شنيعة، نظر من نقطة معينة إلى مربَّعه ذي الأطراف الخشبية المنتصبة وقال في نفسه: “تلك هي أرضي!”.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.